فصل: تفسير الآية رقم (82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (82):

{الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}
{الذين ءامَنُواْ} استئناف يحتمل أن يكون من جهته تعالى مبين للجواب الحق الذي لا محيد عنه. وروي ذلك عن محمد بن إسحاق وابن زيد والجبائي، ويحتمل أن يكون من جهة إبراهيم عليه السلام وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه، واستشكل كونه استئنافًا بأنه لا يمكن جعله بيانيًا لأنه ما كان جواب سؤال مقدر، وهذا جواب سؤال محقق ولا نحويًا لما قال ابن هشام: إن الاستئناف النحوي ما كان في ابتداء الكلام ومنقطعًا عما قبله وهذا مرتبط بما قبله لارتباط الجواب والسؤال ضرورة وليس عندنا غيرهما. وأجيب باختيار كونه نحويًا، ومعنى كونه منقطعًا عما قبله أن لا يعطف عليه ولا يتعلق به من جهة الإعراب وإن ارتبط بوجه آخر، وقيل: المراد بابتداء الكلام ابتداؤه تحقيقًا أو تقديرًا أي الفريق الذين آمنوا بما يجب الإيمان به.
{وَلَمْ يَلْبِسُواْ} أي لم يخلطوا {أيمانهم} ذلك {بِظُلْمٍ} أي شرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون أنهم مؤمنون بالله تعالى وأن عبادتهم لغيره سبحانه معه من تتمات إيمانهم وأحكامه لكونها لأجل التقريب والشفاعة كما ينبئ عنه قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] وإلى تفسير الظلم بالشرك هنا ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن المسيب وقتادة ومجاهد وأكثر المفسرين، ويؤيد ذلك أن الآية واردة مورد الجواب عن حال الفريقين.
ويدل عليه ما أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان عليه السلام لابنه {يَعِظُهُ يابنى لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ولا يقال: إنه لا يلزم من قوله: {إِنَّ الشرك} إلخ أن غير الشرك لا يكون ظلمًا لأنهم قالوا: إن التنوين في {بِظُلْمٍ} للتعظيم فكأنه قيل: لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم، ولما تبين أن الشرك ظلم عظيم علم أن المراد لم يلبسوا إيمانهم بشرك أو أن المتبادر من المطلق أكمل أفراده.
وقيل: المراد به المعصية وحكي ذلك عن الجبائي والبلخي وارتضاه الزمخشري تبعًا لجمهور المعتزلة. واستدلوا بالآية على أن صاحب الكبيرة لا أمن له ولا نجاة من العذاب حيث دلت بتقديم لهم الآتي على اختصاص الأمن بمن لم يخلط إيمانه بظلم أي بفسق وادعوا أن تفسيره بالشرك يأباه ذكر اللبس أي الخلط إذ هو لا يجامع الإيمان للضدية وإنما يجامع المعاصي، والحديث خبر واحد فلا يعمل به في مقابلة الدليل القطعي، والقول بأن الفسق أيضًا لا يجامع الإيمان عندهم أيضًا فلا يتم لهم الاستدلال لكونه اسمًا لفعل الطاعات واجتناب السيئآت حتى أن الفاسق ليس ؤمن كما أنه ليس بكافر مدفوع كما قيل بأنه كثيرًا ما يطلق الإيمان على نفس التصديق بل لا يكاد يفهم منه بلفظ الفعل غير هذا حتى أنه يعطف عليه عمل الصالحات كما جاء في غير ما آية.
وأجيب بأنه أريد بالإيمان تصديق القلب وهو قد يجامع الشرك كأن يصدق بوجود الصانع دون وحدانيته كما أشرنا إليه آنفًا، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106]. وكذا إذا أريد به مطلق التصديق سواء كان باللسان أو غيره بل المجامعة على هذا أظهر كما في المنافق ولو أريد به التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر يقال: إنه لا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك بل تغطيته بالكفر وجعله مغلوبًا مضمحلًا أو اتصافه بالإيمان ثم الكفر ثم الإيمان ثم الكفر مرارًا، وبعد تسليم جميع ما ذكر نقول:
إن قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الامن} إنما يدل على اختصاص الأمن بغير العصاة وهو لا يوجب كون العصاة معذبين ألبتة بل خائفين ذلك موقعين للاحتمال ورجحان جانب الوقوع. وقيل المراد من الأمن الأمن من خلود العذاب لا الأمن من العذاب مطلقًا، والموصول مبتدأ واسم الإشارة مبتدأ ثان والإشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة وفي الإشارة إليه بما فيه معنى البعد بعد وصفه بما ذكر ما يلا خفى، وجملة {لَهُمُ الامن} من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول، وجوز أن يكون {أولئك} بدلًا من الموصول أو عطف بيان له و{لَهُمْ} هو الخبر و{الامن} فاعلًا للظرف لاعتماده على المبتدأ، وأن يكون {لَهُمْ} خبرًا مقدمًا و{الامن} مبتدأ مؤخرًا والجملة خبر الموصول، وجوز أبو البقاء كون الموصول خبر مبتدأ محذوف وقال: التقدير هم الذين ولا يخلو عن بعد والأكثرون على الأول {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} إلى الحق ومن عداهم في ضلال مبين، وقدر بعضهم إلى طريق توجب الأمن من خلود العذاب.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}
{وَتِلْكَ} إشارة إلى ما احتج به إبراهيم عليه السلام من قوله سبحانه: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اليل} [الأنعام: 76] إلخ، وقيل: من قوله سبحانه: {أَتُحَاجُّونّى} إلى {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 80-82] وتركيب حجة اصطلاحية منه يحتاج إلى تأمل وما في اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه، وهو مبتدأ وقوله عز شأنه: {حُجَّتُنَا} خبره، وفي إضافته إلى نون العظمة من التفخيم ما لا يخفى، وقوله تعالى: {ءاتيناها إبراهيم} أي أرشدناه إليها أو علمناه إياها في موضع الحال من حجة والعامل فيه معنى الإشارة أو في محل الرفع على أنه خبر ثان أو هو الخبر و{حُجَّتُنَا} بدل أو بيان للمبتدأ، وجوز أن تكون جملة {ءاتَيْنَا} إلخ معترضة أو تفسيرية ولا يخفى بعده، و{إِبْرَاهِيمَ} مفعول أول لآتينا قدم على الثاني لكونه ضميرًا. وقوله سبحانه: {على قَوْمِهِ} متعلق بحجتنا أن جعل خبرًا لتلك أو حذوف إن جعل بدلًا لئلا يلزم الفصل بين أجزاء البدل بأجنبي أي آتيناها إبراهيم حجة على قومه، ولم يجوز أبو البقاء تعلقه بحجتنا أصلًا للمصدرية والفصل، ولعل المجوز لا يرى المصدرية مانعة عن تعلق الظرف ويجعل الفصل مغتفرًا، وقيل: يصح تعلقه بآياتنا لتضمنه معنى الغلبة.
وقوله عز شأنه: {نَرْفَعُ درجات} أي رتبًا عظيمة عالية من العلم والحكمة مستأنف لا محل له من الإعراب مقرر لما قبله، وجوز أبو البقاء أن يكون في محل نصب على أنه حال من فاعل {ءاتَيْنَا} أي حال كوننا رافعين، ونصب {درجات} إما على المصدرية بتأويل رفعات أو على الظرفية أو على نزع الخافض أي إلى درجات أو على التمييز ومفعول {نَرْفَعُ} قوله تعالى: {مَّن نَّشَاء} وتأخيره على الأوجه الثلاثة الأخيرة لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ومفعول المشيئة محذوف أي من نشاء رفعه حسا تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة، وإيثار صيغة المضارع للدلالة على أن ذلك سنة مستمرة فيما بين المصطفين الأخيار غير مختصة بإبراهيم عليه السلام. وقرئ {يَرْفَعُ} بالياء على طريقة الالتفات وكذا {نَشَاء} وقرأ غير واحد من السبعة {درجات مَّن} بالإضافة على أنه مفعول {نَرْفَعُ} ورفع درجات الإنسان رفع له، وجوز بعضهم جعله مفعولًا أيضًا على قراءة التنوين وجعل من بتقدير لمن وهو بعيد.
وقوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} أي في كل ما يفعل من رفع وخفض {عَلِيمٌ} أي بحال من يرفعه واستعداده له على مراتب متفاوتة، وإن شئت عممت ويدخل حينئذ ما ذكر دخولًا أوليًا تعليل لما قبله، وفي وضع الرب مضافًا إلى ضميره عليه الصلاة والسلام موضع نون العظمة بطريق الالتفات في تضاعيف بيان حال إبراهيم عليه السلام ما لا يخفى من إظهار مزيد اللطف والعناية به صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد ذكر الإمام في هذه الآيات الإبراهيمية عدة أحكام:
الأول: أن قوله سبحانه: {لا أُحِبُّ الافلين} [الأنعام: 76] يدل على أنه عز وجل ليس بجسم إذ لو كان جسمًا لكان غائبًا عنا أبدًا فيكون آفلًا أبدًا والأفول ينافي الربوبية، ولا يخفى أن عد تلك الغيبة المفروصة أفولًا لا يخلو عن شيء لأن الأفول احتجاب مع انتقال وتلك الغيبة المفروضة لم تكن كذلك بل هي مجرد احتجاب فيما يظهر نعم إنه ينافي الربوبية أيضًا لكن الكلام في كونه أفولًا ليتم الاحتجاج بالآية، لا يقال قد جاء في حديث الإسراء ذكر الحجاب فكيف يصح القول بأن الاحتجاب مناف للربوبية لأنا نقول: الحجاب الوارد كما قال القاضي عياض إنما هو في حق العباد لا في حقه تعالى فهم المحجوبون والباري جل اسمه منزه عما يحجبه إذ الحجاب إنما يحيط قدر محسوس، ونص غير واحد أن ذكر الحجاب له تعالى تمثيل لمنعه الخلق عن رؤيته. وقال السيد النقيب في الدرر والغرر العرب تستعمل الحجاب عنى الخفاء وعدم الظهور فيقول أحدهم لغيره إذا استبعد فهمه بيني وبينك حجاب ويقولون لما يستصعب طريقه: بيني وبينه كذا حجب وموانع وسواتر وما جرى مجرى ذلك. والظاهر على هذا أن فيما ذكر مجاز في المفرد فتدبر.
الثاني: أن هذه الآية تدل على أنه يمتنع أن يكون تعالى بحيث ينزل من العرش إلى السماء تارة ويصعد من السماء إلى العرش أخرى وإلا لحصل معنى الأفول. وأنت تعلم أن الواصفين ربهم عز شأنه بصفة النزول حيث سمعوا حديثه الصحيح عن رسولهم صلى الله عليه وسلم لا يقولون: إنه حركة وانتقال كما هو كذلك في الأجسام بل يفوضون تعيين المراد منه إلى الله تعالى بعد تنزيهه سبحانه عن مشابهة المخلوقين وحينئذ لا يرد عليه أنه في معنى الأفول الممتنع على الرب جل جلاله.
الثالث: أنها تدل على أنه جل شأنه ليس محلًا للصفات المحدثة كما تقول الكرامية وإلا لكان متغيرًا وحينئذ يحصل معنى الأفول وهو ظاهر.
الرابع: إن ما ذكر يدل على أن الدين يجب أن يكون مبنيًا على الدليل لا على التقليد وإلا لم يكن للاستدلال فائدة ألبتة.
الخامس: أنه يدل على أن معارف الأنبياء بربهم استدلالية لا ضرورية وإلا لما احتاج إبراهيم عليه السلام إلى الاستدلال.
السادس: أنه يدل على أنه لا طريق إلى تحصيل معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال في أحوال مخلوقاته إذ لو أمكن تحصيلها بطريق آخر لما عدل عليه السلام إلى هذه الطريقة.
ولا يخفى عليك ما في هذين الأخيرين.
السابع: أن قوله سبحانه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} إلخ يدل على أن تلك الحجة إنما حصلت في عقل إبراهيم عليه السلام بإيتاء الله تعالى وإظهارها في عقله وذلك يدل على أن الإيمان والكفر لا يحصلان إلا بخلق الله تعالى؛ ويتأكد ذلك بقوله سبحانه: {نَرْفَعُ درجات} إلخ. الثامن:
أن قوله سبحانه: {نَرْفَعُ} إلخ. يدل على فساد طعن الحشوية في النظر وتقرير الحجة وذكر الدليل، وفيها أحكام أخر لا تخفى على من يتدبر.
ومن باب الإشارة فيها: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم لاِبِيهِ ءازَرَ} حين رآه محتجبًا بظواهر عالم الملك عن حقائق الملكوت وربوبيته تعالى للأشياء معتقدًا تأثير الأكوان والأجرام ذاهلًا عن الملكوت جل شأنه {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا} أي أشباحًا خالية بذواتها عن الحياة {ءالِهَةً} فتعتقد تأثيرها {إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} [الأنعام: 74] ظاهر عند من كشف عن عينه الغين {وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض} أي نوقفه على القوى الروحانية التي ندبر بها أمر العالم العلوي والسفلي أو نوقفه على حقيقتها {وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين} [الأنعام: 75] أي أهل الإيقان العالمين أن لا تأثير إلا لله تعالى يدبر الأمر بأسمائه سبحانه: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اليل} أي أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية، وذلك عند الصوفية في صباه وأول شبابه {رَأَى كَوْكَبًا} وهو كوكب النفس المسماة روحًا حيوانية الظاهر في ملكوت الهيكل الإنساني فقال حين رأى فيضه وحياته وتربيته من ذلك بلسان الحال {هذا رَبّى} وكان الله تعالى يريه في ذلك الحين باسمه المحيي {فَلَمَّا أَفَلَ} بطلوع نور القلب {قَالَ لا أُحِبُّ الافلين} [الأنعام: 76] {فَلَمَّا رَأَى القمر} أي قمر القلب {بَازِغًا} من أفق النفس ووجد فيضه كاشفات الحقائق والمعارف وتربيته منه {قَالَ هذا رَبّى} وكان الله تعالى يريه إذ ذاك باسمه العالم والحكيم {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى} إلى نور وجهه {لاَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} [الأنعام: 77] المحتجبين بالبواطن عنه سبحانه: {فَلَماَّ رَأَى الشمس} أي شمس الروح {بَازِغَةً} متجلية عليه {قَالَ} إذ وجد فيضه وشهوده وتربيته منها {هذا رَبّى} وكان سبحانه يريه حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم {هذا أَكْبَرُ} من الأولين {فَلَمَّا أَفَلَتْ} بتجلي أنوار الحق وتشعشع سبحات الوجه {قَالَ يَا قَوْمِ إِنّي بَرِيء مّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 78] إذ لا وجود لغيره سبحانه: {إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ} أي أسلمت ذاتي ووجودي {لِلَّذِى فَطَرَ} أوجد {السموات والأرض} أي سموات الأرواح وأرض النفس {حَنِيفًا} مائلًا عن كل ما سواه حتى عن وجودي وميلي بالفناء فيه جل جلاله {وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} [الأنعام: 79] في شيء {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} في ترك السوى {قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِي الله وَقَدْ هَدَانِى}
[الأنعام: 80] إلى وجوده الحق وتوحيده {الذين كَفَرُواْ} الايمان الحقيقي {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ} من ظهور نفس أو قلب أو وجود بقية {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الامن} الحقيقي {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] حقيقة إلى الحق. وقال النيسابوري: قد يدور في الخلد أن إبراهيم عليه السلام جن عليه ليل الشبهة وظلمتها فنظر أولًا: في عالم الأجسام فوجدها آفلة في أفق التغيير فلم يرها تصلح للإلهية فارتقى منها إلى عالم النفوس المدبرة للأجسام فرآها آفلة في أفق الاستكمال فكان حكمها حكم ما دونها فصعد منها إلى عالم العقول المجرد فصادفها ءافلة في أفق الإمكان فلم يبق إلا الواجب، وقيل: غير ذلك، وما ذكره مبني على أن الاحتجاج كان مع نفسه عليه السلام وهو الذي ذهب إليه البعض من المفسرين ورووا في ذلك خبرًا طويلًا وهو مذكور في كثير من الكتب مشهور بين العامة، والمختار عندي ما علمت والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.